على طول سور الحصن بين بوابتي كمالان وسمرقند على مسافة خمسمئة خطوة تناثرت جثث الجنود التي نبشها اللصوص، والجثث شبه العارية، ومقطوعة الرأس، والمغطاة بالدم الأسود الكثيف. أما فوق أسوار الحصن، فقد استلقى الرجال المتطوعون للدفاع عن طشقند، المتعبون بعد المعركة والمبتهجون بانتصارهم، تحت أشعة الشمس الدافئة، بعضهم يرتدي العمامة، وبعضهم يرتدي القبعة العادية، أو الباباخا>(>22>)، يتأملون ساحة المعركة التي تحولت إلى مقبرة مفتوحة مرعبة.
وهكذا، فيما بين البوابتين نرى مشهدين مختلفين تمامًا: أحدهما أسفل أسوار المدينة حيث تمتد مساحة هائلة من مئات الجثث مقطوعة الرأس أو الملطخة بالدماء السوداء المتخثرة، والمشهد الآخر هناك فوق أسوار المدينة حيث يقف الجنود المدافعون عنها يهللون بالنصر.
يقف أحد الجنود ويضحك في حماس شديد وهو يتفاخر بأنه قتل أحد قادة القبجاق: "عندما أصبته مباشرة، عليه اللعنة، ارتفع مسافة ثلاث أذرع فوق حصانه، ثم هوى على الأرض". رجل آخر يشير إلى جثة شخص ما في الأسفل: "انظر هناك، عندما اخترق سهمي ذلك القبجاقي، أخذ يئن ويتأوه، ففصلت رأسه عن جسده ونزعت عنه حزامه الذهبي، ومعطفه المذهب". وهكذا، ظلوا يتفاخرون ببطولاتهم ويتباهون بغنائمهم الثمينة التي غنموها: فهذا قد غنم حزامًا ذهبيًا، وذاك – خاتمًا من الياقوت، وثالث – معطف من فرو السمور، ورابع – سيف في غمد فضي، وغيرها من الغنائم.
في تلك اللحظة انطلقت من فوق أسوار الحصن أصوات تغني وتهتف باسم عزيز بك:
دام عهدك المجيد،
أيها الوالي القوي السعيد
دع نارمات>(>23>) الشقي يموت
وليحترق القبجاق والجنود.
والآن اسمح لي، عزيزي القارئ، أن أذهب معك قليلًا، متجاوزين جثث القتلى، إلى جهة الغرب. ولنتوقف عند بوابة سمرقند التي يبلغ ارتفاعها ست أذرع وعرضها خمس أذرع، مثبتة في سور الحصن الذي يبلغ ارتفاعه ثماني أذرع. ونظرًا لأننا معرضون لهجوم مباغت من العدو فإننا سنطرق البوابة بفارغ الصبر:
– افتحوا البوابة، افتحوا بسرعة.
ومع ذلك سوف يتجاهلنا حراس البوابة تمامًا، لكن لنواصل الطرق بشدة وإصرار، وأخيرًا بعد مرور خمس عشرة دقيقة تقريبًا يسأمون من الطرق على البوابة، ويتسلق أحد الحراس على مضض وببطء شديد سور الحصن ليتفحصنا بعناية، وبعد أن يتأكد أننا منهم، أي من أهل طشقند، بصعوبة بالغة يفتح قفل البوابة الضخم الذي في حجم رأس الجمل وينزع السلسلة فتفتح البوابة. وبينما نمر عبرها إلى الداخل نسمع تمتمته المتذمرة والغاضبة منا حتى يغلق البوابة مرة أخرى.
دعونا نلقي نظرة سويًا على هذا الحارس المتجهم؛ إنه يرتدي معطفًا من جلد الغنم، يلف خصره بحزام من القماش الرخيص، يتدلى منه مفتاح بوابة الحصن، ويرتدي فوق رأسه قبعة من الفرو التركماني طولها نصف ذراع. لنذهب إلى يمين البوابة قليلًا، ثم على مسافة خمس عشرة خطوة تقريبًا في داخل الفناء في منطقة مفتوحة تشبه الشرفة نجد المزيد من حراس البوابة يجلسون حول النار يتدفأون ويدخنون الأرجيلة.
لنواصل رحلتنا على طول الجانب الداخلي لسور الحصن. الآن نرى مجموعات الرماة الذين كانوا قبل ذلك يقفون على حافة أسوار الحصن. ودعونا ننظر إليهم عن كثب؛ إنهم الآن يستريحون ويجلسون فوق أعلى درجة من درجات السلم المؤدي إلى أعلى السور، ويستمتعون بأشعة الشمس الدافئة. ملابسهم مزركشة بألوان متنوعة، وأعمارهم متفاوتة. هؤلاء جميعًا ببساطة شديدة هم من سكان طشقند الذين هبوا للدفاع عن مدينتهم؛ بعضهم يحمل السيف، وبعضهم يحمل البنادق. المنطقة المحمية بأكملها حتى بوابة كمالان تبدو كأنها لوحة فنية خلابة.
وفي مكان ما في المنتصف بين بوابتي سمرقند وكمالان كان يقف بك في رداء مزركش، يحمل سيفًا معلقًا على حزام فضي، ويرتدي فوق رأسه عمامة من الحرير فضية اللون، وكان يتحدث إلى شاب يقف بجواره، كأنما يشرح له شيئًا وهو يشير إلى مجموعة من الأشياء الموجودة أمامه. إذا اقتربنا منهما لمسافة خمسين أو ستين خطوة أخرى، نجد شيئًا مريعًا "تل الرعب"، الذي تبدو أمامه المشاهد المروعة التي رأيناها من قبل خارج أسوار الحصن لا شيء مقارنة به. هذا الشيء الذي نراه أمام أعيننا يجعلنا نفقد الوعي من هول ما نراه، واشمئزازًا مما نرى. فأمام أعيننا تل يتألف من ثلاثة إلى أربعمئة رأس بشري.
يا للهول! تلك اللحى الطويلة، والشعر المتناثر المخضب بالدماء، وتلك الوجوه الرمادية الشاحبة، والعيون المغطاة بضباب الموت، شبه المفتوحة وكأنها ترسل لعناتها إلى عالم الأحياء. كان بينها رأس واحد مخيف بشكل خاص. ربما لم يتم صاحبها العشرين من عمره، ولم يتجاوز شارباه شفتيه بعد. بدت عيناه نصف مفتوحتين تحت حاجبين كثيفين ملطخين بالدماء وكأنها تبحث عن شخص ما. يبرز لسانه من بين أسنانه البيضاء في فمه نصف المفتوح. النظرة المخيفة على وجه القتيل كأنما تأسف على أنه كتب عليه أن يولد في هذا الزمن الرهيب بين شعب طائش متهور.