من بين هذه الرؤوس المخيفة تعرَّف البك أحد القبجاق، وأشار إليه للشاب الذي يقف بجواره. في تلك اللحظة ظهر ثلاثة من الفرسان المسلحين وهم يركضون من جهة بوابة كمالان:

– سليمان كبير الياوران- صاح الرجال الجالسون فوق سور القلعة.

عندما اقترب كبير الياوران من قائد الحصن أعلن أن صاحب الجلالة عزيز بك سيصل الآن، ثم انطلق الفرسان عائدين بسرعة كما ظهروا بسرعة، ويعني ذلك أنه بعد إعلان كبير الياوران مباشرة سيأتي عزيز بك بنفسه لتكريم جنوده وتهنئتهم بهذا النصر المبين الذي حققوه اليوم.

بعد أن أدار كبير الياوران رأس جواده عائدًا إلى حيث أتى، أصبح رئيس القلعة متوترًا للغاية، وأخذ يركض ذهابًا وإيابًا كالمجنون، موجهًا أوامره إلى الجنود:

– أيها الرجال الشجعان، الواقفون هناك فوق أسوار القلعة، اصطفوا كما ينبغي لكم، واستعدوا لمقابلة البك. يا حسين بك، هيا اركض بسرعة وحذر حراس البوابة. وأنت يا غني بك، ساوِ صفوف فرقتك. وأنت يا قائد الحرس، حافظ على النظام.

دبت الحركة في الحصن، فنزل الرجال الواقفون على الدرجات العليا للسلالم إلى أسفل درجة واحدة وبدأوا في الاصطفاف. في وسط دوي الحركة المتصاعد امتطى قائد الحصن جواده، وأخذ يتنقل من جانب إلى آخر مصدرًا أوامره وتعليماته إلى رجاله:

– اجمعوا أيها الرجال. اصطفوا جميعًا. استعدوا للترحيب بالبك.

ارتفع الصخب، وبدأ المقاتلون المسلحون بالبنادق والسيوف والفؤوس والرماح في تسوية صفوفهم. في منتصف التشكيل رفعت راية خضراء، وهكذا، كان كل شيء جاهزًا للاستقبال الرسمي لحاكم المدينة عزيز بك.


16. عزيز بك


بعد ثلاث أو أربع دقائق ظهرت فرقة كبيرة من الفرسان من ناحية بوابة كمالان. كان هذا عزيز بك يقترب برفقة قادة عسكريين، محاطًا بحاشية قوامها مئة جندي. كان يجلس مزهوًا فوق ظهر مهر كستنائي اللون عليه عدة مذهبة، وكان يرتدي رداءً مزركشًا متلألئًا بألوان قوس قزح تحت أشعة الشمس، بياقة وأكمام مطرزة بشريط ذهبي مضفور، ويضع فوق رأسه عمامة من الحرير الأبيض، ويلتف حول خصره حزام ذهبي معلق فيه سيف جزائري الصنع في غمد فضي، وقد وضع قدميه في ركاب مصنوعة من الفضة.

كان وجه عزيز بك قمحي اللون، مؤطرًا بلحية مدببة، وحاجبين خفيفين متناثرين. كانت ملامحه توحي بأن عمره ما بين الخمسة والأربعين والخمسين عامًا تقريبًا. كان يتبعه على ظهر حصان أسود كالغراب رجل يرتدي رداءً أزرق مبطنًا بالفراء، ويضع فوق رأسه قبعة من صوف الخراف، ويتدلى من جانبه الأيمن سيف معلق بحزام فضي حول خصره، وفي جانبه الأيسر مسدس. كان وجهه الداكن بلا حاجبين، كأن حاجبيه قد نتفهما الجن، وعلى جانبي وجهه وذقنه نمت لحية متناثرة وشعر رقيق ناعم، كانت عيناه الغائرتان محتقنتان بالدم. كان ذلك هو القائد العام لجيش عزيز بك، وذراعه اليمنى رحيم بك دادخاه.

إلى جانبه على ظهر حصان صغير كان يسير شخص ما يرتدي ثوبًا بخاريًا مقلمًا، وليس حول خصره حزام، وفوق رأسه عمامة كبيرة. كان الرجل مستدير الوجه، حسن المظهر، بعينين بنيتين صافيتين، ولحية طويلة رمادية اللون. كان يشبه في هيئته رجال الدين، وكان بالإضافة إلى ذلك أعزلًا بلا سلاح، وكان يركب فوق ظهر حصانه متكئًا بمقبض السوط على مقدمة السرج.

خلف هؤلاء الثلاثة كان يسير صف من الجنود في مجموعات من أربعة رجال، يرتدون جميعًا سترات قصيرة بطول الركبة من القماش الأزرق، وسراويل من القماش الأحمر، وينتعلون في أقدامهم أحذية خضراء اللون مصنوعة من جلود الخيل، وعلى رؤوسهم قبعات تشبه تلك التي يرتديها رايم بك، لكنها كانت مغطاة بقماش مخملي أحمر. وكانوا جميعًا يرتدون حول الخصر أحزمة جلدية بيضاء معلق بها سيف في الجهة اليسرى، وطبنجة في الجهة اليمنى. بشكل عام كان الموكب منظمًا ومصطفًا بشكل جيد، على الرغم من أن العديد من الجنود كانوا متقدمين في العمر.

اصطف أبطال المعركة عند سور الحصن للترحيب بعزيز بك، وفي خضوع انحنوا جميعًا له حتى كادت رؤوسهم تلامس الأرض. رد عليهم عزيز بك بإيماءة من رأسه وهو يضع المقبض الذهبي لسوطه على صدره. نزل قائد الحصن، الذي كان يقف عند تلة الرؤوس المقطوعة، عن جواده، وبقى في مكانه ممسكًا بعنان الفرس بين يديه المضمومتين إلى صدره، منتظرًا باحترام وتوقير لحظة اقتراب البك من هذا المكان. بقيت أربعون أو خمسون خطوة تفصل بين البك وتلة الرؤوس المقطوعة. حدّق عزيز بك باهتمام شديد في الرؤوس المقطوعة حتى إنه نسي رد التحية. وكذلك نظر القادة والجنود الذين رافقوا عزيز بك إلى هذا التل الرهيب.