اقترب عزيز بك من التلة وأخذ يحدق لبعض الوقت في هذا المنظر الذي لاح أمام عينيه. ثم التفت إلى قائد الحصن الذي كان لا يزال واقفًا ويداه مضمومتان إلى صدره، وقال مبتسمًا:
– أحييك على شجاعتك؛ اليوم لقنت القبجاق درسًا قاسيًا، وهزيمة ساحقة مثلما فعل رستم الأسطوري، لقد سحقوا مثل الكلاب. شكرًا للرجال على شجاعتهم وبطولاتهم، بارك الله في أعمارهم.
أنهى عزيز بك كلمته، وعلى الفور صاح كبير الياوران بصوت عالٍ حتى يسمع من هم فوق:
– إن البك المبجل والمعظم لدينا يشكركم جميعًا على شجاعتكم التي أظهرتموها اليوم، ويتمنى لكم العمر المديد.
كانت صيحات الجنود-الرماة عالية جدًا لدرجة اهتزت لها أرجاء المكان:
– شكرًا سيدي، أطال الله بقاء الحاكم، ووسع له في ملكه.
ضم عزيز بك السوط إلى صدره وانحنى للجنود. ثم أعطى الأمر لكبير الياوران:
– فليمنح قائد الحصن رداءً من الديباج المذهب، وأمراء المئة – أردية من الحرير، والرجال الشجعان الآخرون – ثلاث عملات فضية لكل واحد منهم.
ترددت مجددًا هتافات الرجال بالشكر لسيدهم: – زاد الله في ملكه.
تقدم اثنان من أمناء الخزانة في موكب الوالي يمسكان بعناني جواديهما، واقتربا من كبير الياوران. كان واحد من الجياد يحمل فوق ظهره الأثواب، والآخر يحمل خُرجًا مملوءًا بالعملات المعدنية. أخذ كبير الياوران ثوبًا من الديباج المذهب وقدمه إلى قائد الحصن الذي أقبل يرتديه وهو يردد بفخر كلمات الشكر والثناء والمديح لعزيز بك. ثم بعد ذلك كلف كبير الياوران أحد أمناء الخزانة بأثواب الحرير، وكلف الآخر بأكياس النقود وصعد مع قائد الحصن إلى أعلى أسوار الحصن، ثم بدأ يوزع المنح والعطايا كما أمر عزيز بك – ثلاث قطع فضية للجنود، وأثواب الحرير لأمراء المئة.
في هذه الأثناء كان عزيز بك يدور فوق ظهر حصانه حول تل الرؤوس المقطوعة، وهو يشير لرايم بك الذي رافقه مع الرجل الذي يرتدي ثوبًا بخاريًا مخططًا إلى رؤوس قادة عسكريين يعرفهم جيدًا من جيش قوقند، وهو يحكي لهما أي منصب كان يشغله كل منهم، والفظائع التي ارتكبها كل منهم في حق القاره تشوبان. كان رايم بك يصغي إليه باهتمام كبير، في حين أشاح الرجل ذو الرداء البخاري المخطط بوجهه عن هذا المنظر الشنيع، وكان فقط من حين إلى آخر يردد: "نعم، نعم سيدي"
خلال نصف ساعة انتهت مراسم توزيع المنح والعطايا. اقترب كبير الياوران من عزيز بك بأكياس فارغة، وانحنى له باحترام وإجلال، فالتفت عزيز بك إلى قائد الحصن:
– هل بقي أحد لم يأخذ عطيته؟
– كلا، سيدي. كلهم رعايا تحت ظل حكمك المبارك.
– متى بدأ القبجاق بالهجوم اليوم؟
– مع بزوغ الفجر، بدأت أصوات المدافع ترعد من ناحية آق تيبا، بعد مرور خمس عشرة دقيقة بعد ذلك ظهرت كتائب فرسان القبجاق، واندفعوا نحو بوابة سمرقند. عندها قمت بدفع الرماة إلى البوابة وأمرتهم أن يطلقوا النار عبر الثغرات والفتحات الموجودة بالبوابة. فظلوا يطلقون النار بلا توقف لمدة خمس عشرة دقيقة تقريبًا، فلم يستطع القبجاق تحمل نيران البنادق فانسحبوا من بوابة سمرقند، واتجهوا إلى الهجوم على المواقع عند بوابة كمالان- دروازة. ثم إني، بمباركة فخامتك، أطلقت يد الرماة الموجودين هناك أيضًا. بعد اشتباك دام حوالي ساعة لم يستطع العدو مقاومة الرصاص الذي نزل على رؤوسهم كالمطر، ففر هاربًا تاركًا وراءه ثلاث أو أربعمئة جثة بين بوابتي كمالان وسمرقند. في حين سقط منا خمسة قتلى فقط وأصيب تسعة رجال.
كان عزيز بك يستمتع بما يسمع، وأشاد مجددًا بشجاعة رجاله المنتصرين، ثم سأل:
– هل ظهر القبجاقي نارمات خلال المعركة؟
– لا يا سيدي، لم يظهر بالقرب من القلعة. ولو ظهر…
– يجب أن نكون مستعدين لهذا.
– بالطبع، تحت ظل حكمكم المبارك هذا هو أهم شيء بالنسبة لنا.
صاح عزيزبك مخاطبًا الجنود: "أنا راضٍ عنكم"، بعد ذلك تحرك مع حاشيته إلى بوابة سمرقند وسط صيحات الشكر والامتنان والبهجة من الرجال المدافعين عن الحصن.
فرحًا بالنصر، قرر البك القيام بجولة لتفقد أسوار الحصن، ومن ثم تجاوز بوابة سمرقند واتجه نحو قناة تشاقار. كان سور الحصن يرتكز في عمق قناة تشاقار شديدة الانحدار، حيث كان من المستحيل بناء الجدار فوق مياه القناة، وهكذا بقيت ضفة القناة مفتوحة، وخلفها مباشرة تل مرتفع تحيطه من الجهة الجنوبية مياه قناة تشاقار، ومن الجهة الغربية مياه قناتي بوز-سو، وكوكتشا. كان هذا التل المحصور بين مجريين مائيين يعد، حتى دون أية تحصينات، مانعًا طبيعيًا ممتازًا أمام هجوم الأعداء. فوق التل بنيت عدة مواقع للجنود تطل على ثلاثة من الاتجاهات الأصلية – الشمالي والغربي والجنوبي، ونصبت فيها المدافع التي وجهت فوهاتها إلى هذه الاتجاهات الثلاثة، وكانت هذه المدافع تحرسها باستمرار فرق من جنود المدفعية والحراس.