باتت هموم المنزل وأعباؤه الثقيلة كلها تقع على كاهل حسن علي. لو أنه كان في مدينته حيث يعرف فيها الجميع ويعرفونه، لهبوا جميعًا إلى المساعدة في مثل هذه اللحظات القاسية، سواء بالقول أو بالفعل، ولما أصبح الأمر بهذه الصعوبة، لكن طشقند بعيدة، وهنا في مرغلان هو وحده تمامًا لا يعرف فيها أحدًا سوى ضياء شاهيجي وابنه رحمت. "على أية حال، ليس لدي أشخاص آخرين هنا لأعتمد عليهم" – كان حسن علي يضع عليهما آمالًا كبيرة، لكن سرعان ما تبددت آماله؛ فقد احتجز ضياء شاهيجي وولده. وسرعان ما اتضح له أن السلطات تلاحقه هو نفسه.

تملك الرعب من حسن علي وكوموش هانم وتضاعف يأسهما وحزنهما. كان حسن علي سيُعتقل في اليوم نفسه الذي اعتقل فيه أتابك وقوتيدار، لكنهم لم يجدوه؛ لأنه كان في خان المسافرين وقتها وليس في المنزل. قبل أن يبدأ جنود رئيس الشرطة بحثهم عن حسن علي كان لايزال لدى كوموش وأفتاب-آيم أمل في أن يطلق سراح أحبائهما أتابك وقوتيدار في غضون يوم أو يومين، أما الآن فقد تلاشت كل هذه الآمال.

في البداية فكر حسن علي أن يسلم نفسه طواعية للسلطات وأن يشارك أتابك مصيره، فإذا كان عليه أن يموت، فليمت معه، وإذا مرت الأمور بسلام فليطلق سراحهم جميعًا معًا. لكن كوموش وأمها عارضتا هذه الفكرة، وكانتا تقولان: "قد تكون وأنت حر أكثر فائدة للسجناء". وجد حسن علي أنهما على حق، لكن حياته صارت أصعب؛ ففي كل دقيقة كان يتوقع مجيء الشرطة للقبض عليه. ولكي يضلل الجنود كان مضطرًا إلى تغيير مكان اختبائه عدة مرات في اليوم.

فقد حسن علي شهيته، ولم يعد قادرًا على النوم ليلًا، وبات يفكر ويسأل نفسه باستمرار: "لماذا اعتقل أتابك وقوتيدار؟ وما الجرم الذي ارتكباه؟" كان حسن علي على علم بشئون سيده كلها. راودته فكرة أنه "ربما يكون قوتيدار متورطًا في بعض الأعمال الشائنة؟" لكن خوفه كان يزداد أكثر فأكثر، وقد ذكرته هذه المصيبة بالقول المأثور: "قد يهلك المرء لا لذنب اقترفه، ولكن لأن الحاكم تعطش لسفك الدماء"، وخرجت من صدره تنهيدة ملؤها الألم.

مرت خمسة أيام صعبة، ولم يتضح الأمر، لم يعرف أحد الأسباب التي جعلتهم يعتقلون أتابك وقوتيدار. لم يستطع حسن علي فعل شيء لإطلاق سراحهما، ومن الواضح أنه لن يستطيع فعل شيء في المستقبل؛ لذا كان عليه أولًا وقبل كل شيء أن يحتاط لنفسه ويبقى مختبئًا عن عيون جنود رئيس الشرطة.

في النهاية، قرر حسن علي مغادرة مرغلان والعودة إلى طشقند. من هناك كانت تأتي طوال الوقت إشاعات مزعجة، وكان يتردد على الألسنة أن جيش قوقند لا يزال يحاصر طشقند. فكان حسن علي على دراية تامة بالأخطار التي تنتظره هناك، ومع ذلك، كان حدسه يخبره أن هذه هي الطريقة الوحيدة للنجاة، وأن عليه المغادرة إلى طشقند مهما كلفه الأمر. ببساطة لم يكن لديه خيار آخر.

أخبر كوموش وأمها بقراره، لكنهما كانتا في حزن عميق فلم تفهما جيدًا ماذا يريد أن يقول لهما فبكيتا بكاءً شديدًا. قال لها حسن علي "إنني هنا لن أستطيع فعل شيء معكما، على أية حال، يجب أن أذهب إلى طشقند لطلب المساعدة"، فسألته كوموش بصوت حزين منكسر:

– فكر في الأمر، إذا كنا لم نجد حلًا ولا أملًا هنا في مرغلان، فكيف تطلبه في طشقند؟

– علينا أن نجرب يا ابنتي، ربما سيجد والد زوجك مخرجًا، ويرشدنا إلى الصواب.

– وكيف نتصرف دونك؟ ماذا لو أن الطغاة.. – لم تستطع كوموش إنهاء كلامها وانفجرت بالبكاء، وأجهش حسن علي بالبكاء، لكنه تمالك نفسه، وقال محاولًا تهدئة كوموش:

– يجب ألا نستسلم للأفكار السيئة يا ابنتي؛ فالوالي على عكس الحكام الآخرين رجل عادل. نسأل الله تعالي أن يفرج كرب أبيك وزوجك قبل أن أعود من طشقند.

في تلك الليلة تجهز حسن علي للرحلة وأعد جوادًا كان لقوتيدار، وعند الفجر كان أول من غادر مرغلان من بوابة قوقند.


15. طشقند تحت الحصار


كان اليوم هو الحادي والخمسين لحصار طشقند، وقد انكسرت حدة البرد، وأصبح الطقس أكثر دفئًا بشكل ملحوظ، ونشرت الشمس أشعتها فأضاءت السماء. بدأ ذوبان الثلوج، وكثر الوحل في كل مكان. كان البخار يتصاعد من داخل أسوار الحصن.

وفي وقت مبكر من صباح اليوم، قامت قوات من جيش قوقند بمهاجمة طشقند من ناحية بوابة سمرقند، وانتهى هذا الهجوم نهاية مأساوية للغاية بالنسبة للقوات المهاجمة. حيث فر الجنود الناجون عشوائيًا إلى ملاجئهم المؤقتة للراحة قليلًا، ولتضميد جراحهم. كان مشهد المعركة مروعًا.