– هل يزعجك ذلك؟ لا داعي للانزعاج. هل ترفضين إذا طلبت منك شيئًا؟
– لن أرفض بالطبع.
فقال وهو يشير إلى الشامة السوداء فوق شفتها العليا: إذا سمحت لي بتقبيل هذا المكان هنا، فستكون هذه أفضل هدية بالنسبة لي.
فاحمر وجه كوموش خجلًا.
* * *
دعونا الآن نعود بالزمن قليلًا إلى الوراء.
ففي اليوم التالي من وصوله إلى مرغلان ذهب أتابك إلى سوق الأحذية، وحينما قارب وقت صلاة العصر على الانتهاء، طلب الشاب من أحد المحلات ماء ليتوضأ. كان الماء في القناة العميقة التي تمتد على طول الشارع في أسفل المجرى، وكان من الصعب الحصول عليه. أشار بائع المحل إلى مكان مناسب يمكن أن يتوضأ فيه: "إذا دخلت عبر البوابة إلى الفناء، فستجد هناك في تلك الزاوية مكانًا تكون فيه ضفة القناة منخفضة، يمكنك التوضؤ هناك".
وهكذا وجد أتابك نفسه في فناء منزل قوتيدار (في الجزء المخصص للرجال)، ووقعت عيناه بالصدفة على فتاة كالملاك، تصادف أنها في تلك اللحظة كانت قد خرجت من إحدى الغرف لقضاء بعض الحاجات. كانت هذه الفتاة هي كوموش، وقد ذهبت إلى الجانب الآخر من القناة. وتصادف أن وقعت عيناها دون قصد على ذلك الشاب الوسيم على الجهة الأخرى. وقف كلاهما لبعض الوقت يحدقان في بعضهما، غير قادرين على أن يرفع أحدهما عينيه من على الآخر. فجأة وكأنما فزعت من شيء ما شعرت الفتاة بالحرج وتوارت مسرعة في ممر مظلم يؤدي إلى داخل الفناء، وكانت ضفائرها الأربعين كلها تتراقص فوق كتفيها. حينما كانت تركض ألقت نظرة على الشاب وأرسلت له ابتسامة خفيفة. توارت كوموش لكن ظل أتابك واقفًا في مكانه لبعض الوقت لا يبدي حراكًا. أفاق، أخيرًا، ومسح عينيه وفتحهما جيدًا محاولًا أن يعيد هذا الحلم الذي رآه لتوه. لكن الأحلام أحلام، والواقع شيء آخر.
جلس القرفصاء بالقرب من القناة؛ ليجمع بعض الماء، لكن بصره كان معلقًا بذلك الممر المظلم الذي اختفت فيه الفتاة. بعد أن توضأ ظل يحدق في ذلك المكان، علها تظهر ثانية، لكنها لم تظهر قط. ربما كانت تنظر إليه من مكان ما، وتضحك على الشاب الذي أسرته وقيدته من دون حبال؟
انتظر أتابك طويلًا، وفاتته ساعة صلاة العصر. وأخيرًا، استطاع بجهد جهيد أن يدفع نفسه إلى مغادرة فناء قوتيدار. وهكذا ولدت قصة الحب، الذي كان يزداد قوة كل يوم. وما حدث فيما بعد يعرفه القارئ جيدًا. هذا تفسير سؤال كوموش: "أنت إذًا ذلك الشاب؟". فما حدث هو أن تحقق حلم كوموش، وكان هذا أول حب طاهر عفيف يمس قلبي الشاب والفتاة.
12. وشاية
"اليوم هو اليوم السابع منذ أن تزوج أتابك من ابنة قوتيدار" – كان هذا أول ما سمعه حامد عندما عاد من قوقند. بينما كان يفكر في أبشع طرق الانتقام التي تشبه وجهه البشع، كانت تتردد في أذنيه عبارة "…تزوج من ابنة…"
تحولت عودته من قوقند إلى معاناة كبيرة بالنسبة لزوجتيه؛ فقد أصبح يضربهما لأتفه الأسباب. وكانتا تتجنبان رؤيته خوفًا من بطشه، أو بالأحرى كراهية له واشمئزازًا منه، فتختبئان منه في مكان ما في ركن من أركان الفناء، بل إنهما تضامنتا واتحدتا سويًا في تمني الموت له: "آه، ليته مات في قوقند، ونهشت الكلاب جثته. هل كنا سنحزن أو نشفق عليه؟"
وعندما يفكر في شيء ما، فإنه كان يستغرق فيه تمامًا، وكانت ترتسم على وجهه في مثل هذه الأوقات تعبيرات الوحشية والقسوة، ويبدو مظهره بالكامل كأنما يستعد للانقضاض على فريسته وتمزيقها إلى أشلاء. على أية حال، فقد كان يبحث عن طريقة لانتقام وحشي. وها هي أخيرًا ظهرت على شفتيه ابتسامة شريرة، تصحبها فرقعة أصابع.
من الواضح أنه توصل إلى فكرة ما؛ فانتفض واقفًا، ونزع عمامته القذرة من على الحائط، وخرج إلى الفناء. ألقى حامد نظرة على ورشة الأقمشة، وأعطى تعليماته العمال وصبيانهم، ثم خرج إلى الشارع عبر البوابة الكبيرة وهو يعدل من وضع عمامته. اجتاز الأزقة والحارات حتى وصل إلى الناحية الغربية من المدينة حيث يقع حي البكوات. عند مدخل الحي أمام البوابة الضخمة المطلة على الجهة الجنوبية، وقف حارسان مسلحان بالبنادق والسيوف يتحدثان فيما بينهما، فاقترب منهما وسألهما: – هل السيد موجود؟
ولأنه تطفل على محادثتهما بوقاحة ودون سابق إنذار، نظر إليه أحدهما نظرة عابسة في صمت، في حين أشار الآخر ببندقيته إلى باب البك وأجابه: – اذهب.
مر الزائر عبر البوابة إلى ساحة ضخمة تشبه ساحة خان القوافل، حيث جلس ما يقرب من خمسة عشر رجلًا مسلحًا في دائرة حول نار أشعلوها للتدفئة. بعد أن اجتاز هذه الدائرة اقترب من كبير الحراس الذي كان يحرس مدخل منزل البك وقال له إنه يريد مقابلة رئيس الشرطة، وطلب منه الإذن في الدخول. فأمره الحارس أن يتبعه، واصطحبه إلى غرفة كان يجلس فيها رجل يبلغ من العمر أربعين أو خمسين عامًا، يرتدي قفطانًا من أوراتيبا ويلف حول خصره حزامًا فضيًا، وعلى رأسه عمامة زرقاء. كانت بشرته الداكنة تلمع بصفرة مميزة كالتي تظهر على وجوه من يتعاطون الخشخاش أو الترياق، وعلى ركبتيه سيف في غمده الفضي. كان ذلك الرجل هو رئيس الشرطة، وكان يجلس مستغرقًا في قراءة بعض الأوراق التي تبدو كأنها أمر أو مرسوم. سأل رئيس الشرطة على مضض بعد أن رد تحية الزائر: