كان أتابك يتحرق شوقًا للقاء عروسه، لكن الحفل بدا وكأنه لن ينتهي. وأخيرًا، حان وقت صلاة العشاء. رفعت الأطباق والأكواب التي كانت قد أفرغت في البطون الخاوية بكميات كبيرة، وكذلك رفعت مفارش الموائد. استمر الحفل حوالي ساعة ونصف، لكنها بدت بالنسبة له وكأنها سنوات طوال. أخيرًا، جاء أصهاره يدعونه للذهاب إلى غرفة العروس، ومرة أخرى دعوا للزوجين الشابين بأن يعيشا سويًا في حب وسلام وانسجام، واصطحبوا أتابك إلى الداخل.
في تلك اللحظة اقترب منه حسن علي وهنأه:
– مبارك زواجك الشرعي يا بك.
– أشكرك كثيرًا.
تفحص حسن علي سيده أتابك بلطف من رأسه إلى أخمص قدميه، ثم ربت على كتفه وباركه، وقد ترقرق الدمع في عينيه. سار أتابك معهم إلى عروسه. كان يشعر بشيء غريب في داخله: هل هذا حلم، أو حقيقة؟ هل هذا يحدث حقًا؟
والآن عزيزي القارئ لنذهب سويًا مع أتابك إلى الداخل؛ على جانبي الفناء، وغرفة كوموش نفسها تقف الكثير من النسوة والأطفال ليشاهدوا العريس، بعض النسوة يحملن الشموع في أيديهن. غرفة العريس مزينة بالسجاد والمنسوجات المطرزة (السوداني)، وبها أيضًا هدايا الزفاف التي أحضرت من قوتيدار. بالإضافة إلى ذلك، على جدران الغرفة تتدلى تطريزات جميلة صنعتها النسوة بأيديهن. ومن السقف تتدلى نجفة كبيرة تتلألأ منها أضواء ثلاثين شمعة تضفي على الغرفة وهجًا مثيرًا للغموض. في الزاوية تقف كوموش وقد ارتدت فستانًا أبيض، كالذي يرتدينه في حفل توديع العزوبية. على وجهها الرقيق الجميل تتراقص الأضواء والظلال متعددة الألوان، التي تنعكس من الأشياء الكثيرة الموجودة في الغرفة. كانت الدموع تترقرق في عينيها حينما كانت إحدى قريباتها تتحدث إليها، وعندما سمعت صوتًا قادمًا من الفناء: "العريس، العريس قادم"، أصبح وجه كوموش أكثر حزنًا وزادت في البكاء.
تركتها الخاطبة على هذه الحالة وانطلقت ناحية الباب. كان العريس قد اقترب جدًا. سار أتابك محاطًا بالنساء، وخلفه أفتاب آيم تبخره وتطيبه بالبخور. رفعت النسوة الشموع إلى أعلى كي يشاهدن أتابك بشكل أفضل. وقف أتابك على عتبة الغرفة وقد احمر وجهه خجلًا، لا يدري ماذا يفعل. وهنا فتح الباب وسمع صوتًا يناديه:
– تفضل أيها السيد.
كان قلب أتابك ينبض بصوت عالٍ حتى ظن أن من حوله كانوا يسمعون صوت دقاته. دخل أتابك الغرفة، وخرجت النسوة وواربن الباب خلفهن؛ حتى يتركن فرجة يمكن من خلالها رؤية ما يجري في الداخل. في وسط الغرفة وقفت كوموش تداعب أطراف وشاحها، لكنها لم تستدر لتلقي نظرة على الوافد الجديد. في تلك اللحظة أحست بيد تضغط على يديها الرقيقتين اللتين كانت تداعب بهما الوشاح:
– حبيبتي.
انتفضت كوموش عندما لمسها أتابك، وابتعدت عنه: لا تلمسني.
– لماذا تبتعدين عني؟ لماذا لا تنظرين إليّ؟ – قال أتابك بصوت خائف مرتعش.
حتى تلك اللحظة لم توجه كوموش نظرها ناحيته، بل حتى إنها لم تكن ترغب في النظر إليه. لكنها استطاعت وبصعوبة أن تتغلب على حذرها، وألقت نظرة حذرة على زوجها، نظرت إليه وتجمدت بشكل لا إرادي لبعض الوقت، ثم خطت بضع خطوات في اتجاه أتابك، واقتربت منه، وقالت بصوت تملكته الحيرة والتوتر:
– أهذا انت؟
– نعم أنا هو.
وقف كلاهما يحدقان في بعضهما في صمت كأنهما مسحوران.
– لا أصدق عيني – قالت كوموش، وقد أطلقت تنهيدة عميقة.
– وأنا أيضًا – أجابها أتابك، وهو يحدق فيها بعينين واسعتين مفتوحتين على مصراعيهما.
في تلك اللحظة التقت شفتاهما، وتشابكت بعد أن تجاذبت بشكل لا إرادي إلى بعضها. كانت يدا العروس الصغيرتان الرقيقتان على كتفي العريس، في حين كانت ذراعاه الكبيرتان القويتان تعانقان خصرها.
حدقت كوموش في وجه أتابك.
– يا لها من سعادة لم تكن على البال! قالت بهدوء وضحكت ضحكة فضية رنانة تتناسب مع معنى اسمها. هذه الضحكة سمعها من كان في الفناء أيضًا.
وهنا أغلق الباب الذي كان مواربًا. أخذت كوموش أتابك من يده وقادته إلى الدسترخان الذي كان قد أعد مسبقًا.
– لو كنت أعرف أنه أنت، لرحبت بك بطريقة أخرى.
– وهل كنتِ تظنين أني شخص آخر؟
– أي ظن؟ أنا لم أجرؤ حتى أن أتخيل أنه يمكن أن تكون أنت– قالت كوموش وقد أطلقت ضحكة عالية أخرى.
أمسك أتابك بيدها الرقيقة ووضع على إصبعها خاتمًا ذهبيًا، في حين شعرت كوموش بالحرج وخفضت بصرها إلى الأرض، وقالت:
– لكني لم أقم بإحضار هدية لك.