وأيدتها السيدة هانم قائلة: "لا تكتئبن يا صديقاتي. كلنا ينتظرنا المصير نفسه. قفي يا سَوْرة، أشعلي نارًا في الفناء وقومي بتدفئة الطبول لنعزف. وأنت يا أناركول أمسكي بالعود. وأنت يا كوموش، كفى استسلامًا للأفكار الحزينة، ابتسمي للحضور رجاءً. غدًا سوف تندمين على كل دقيقة قضيتها في فكر ومعاناة لا داعي لها". جعلت كلمات هانم بيبي الجميع ينفجر ضاحكًا، حتى إن كوموش ابتسمت على مضض ابتسامة خفيفة، وأطلقت أسنانها البيضاء اللؤلؤية لفترة وجيزة لتطل من بين شفتيها الياقوتية.
بعد ذلك سيطر المرح على الجميع، وعزفت أناركول على العود موسيقى أغنية "الصديقات" الشهيرة، ومست بعزفها الجميل أعماق قلوب الفتيات العذارى الرقيقات. أما السيدة هانم، فلم تطل في مطالبة الأخريات بالرقص، وانبرت قافزة من مقعدها تتمايل مع الموسيقى.
خلق المزيج من قرع الطبول وصوت العود حالة من الانسجام الفريد، مما منح الحفل نشاطًا وحيوية ومرحًا زائدًا. وبدأت الأيادي ترتفع وتصفق بصوت عال. وأصبح الرقص مفعمًا بالحيوية. أخيرًا، بعد إغلاق أبواب الغرفة جميعها، وإضاءة الشموع على الأرفف، وصل إيقاع الحفل إلى ذروته. سلطت أضواء الشموع المتلألئة المتطايرة بفعل تيارات الهواء على وجوه الشابات المنتشيات. أعاد الاحتفال إلى الأذهان جنيات الجميلات من قصص "ألف ليلة وليلة".
الآن بدأ عزف العود لأغنية "إيفور"، وفي الخلفية صوت الطبل الجميل يصدح بلطف ورقة. كانت كولسن هانم تتمايل في انسجام مع الموسيقى، فيما كانت أنغام العود تمس قلوب الحضور ودق الطبلة يتسارع أكثر فأكثر حتى أصبح حفل الزفاف مفعمًا بالحيوية، وتملكت الموسيقى من حواس الحاضرين. أخذت كولسن هانم تتمايل بهدوء ونعومة في أرجاء الغرفة في انسجام وانصهار تام مع الأنغام الراقصة، وهو ما جعل أجساد الفتيات الحاضرات ترتجف من فرط السعادة والنشوة.
ومع ذلك، لا يمكن القول إن كوموش كانت منهمكة أو مهتمة بهذا المرح، أو تشعر بالسعادة والفرح مما يحدث حولها، أو تستمتع بها مع الآخرين. على الرغم من أنها كانت حاضرة جسديًا وسط الحضور، فإن عقلها كان شاردًا في مكان آخر بعيد: كانت عيناها تشاهدان الفتيات يرقصن، لكن أفكارها سرحت بعيدًا إلى أرض أخرى.
ومما سبق يمكن للمرء أن يعتقد أنها كانت تشعر وكأنها تجلس في جنازة لا احتفال مبهج.
بعد ساعتين من الصخب، أصيب الحاضرون بالتعب وتوقفت الفتيات عن الرقص. جلست الهوانم كولسن وهانم سويًا بجوار بعضهما، وشرعا في الغناء بهدوء، في حين كانت إحدى الحاضرات تعزف على العود. كانت كولسن هانم أول من غنى، وكان صوتها الجهوري يرن مثل الجرس الخفيف وهي تشدو بأغنية " أبكي أنا" وتقول كلماتها: "صديقاتي، ما إن ألمس أوتار العود، حتى تبكي روحي من فرط حبي، ومن فرط شوقًي إلى المحبوب."
وعند تكرار هذا الكوبليه انضمت السيدة هانم تغني معها. وبدا كأن صوتيهما قد انصهرا معًا، ما جعل غنائهما يخترق القلوب ويسري مثل الدم في العروق، حتى كوموش التي كانت تجلس غارقة في أفكارها بدت وكأنها قد أفاقت من غفوتها، وأخذت تستمتع إلى الغناء. كانت كلمات الكوبليه الثاني تتردد على أسماع الحاضرين:
على الرغم من أنني لم ألمحه إلا للحظة، فقد أسر روحي.
ولا أخفى أنني لم أرَ رجلًا أبدًا أكثر وسامة منه.
وعند سماعها لهذه الكلمات ذرفت عيناها عدة دمعات، فيما انتقلت الفتيات إلى الكوبليه الثالث:
لو تمكنت فقط من رؤية حبيبي مرة أخرى،
فسأمنحه كل ما هو مقدس داخلي.
أما الكوبليه الرابع فتقول كلماته:
هل يعلم حبيبي كم أعاني دونه من عذاب
هل يعلم أن دموعي لا تتوقف حزنًا عليه وشوقًا إليه ليل نهار؟
أخذ القلق يتملك من كوموش أكثر فأكثر، حتى وصلت الفتيات إلى الكوبليه الخامس:
أخبروني يا صديقاتي العزيزات
إلى متى بمقدوري البقاء بعيدة عن حبيبي؟
وأخيرًا صدحت الفتيات بالكوبليه الأخير:
لا قوة لدي على الصبر والاحتمال يا من اخترته حبيبًا لي
سأقذف بعودي على الأرض وأحطمه بكل قوتي.
لم يستمع أحد للكلمات الأخيرة فقد كن جميعًا يركزن أنظارهن على كوموش التي كانت تبكي محتضنة الفتاة التي تجلس بجوارها، وهو ما جعل الفتيات ينظرن إليها بدهشة كبيرة.
"ماذا حدث يا كوموش؟" "لماذا تبكين يا كوموش؟"
"هل هناك ما يؤلمك؟ هل تشعرين بوجع في مكان ما؟"
فتحت كوموش عينيها، ورفعت رأسها عن كتف صديقتها، ونظرت حولها، وعيناها مبللتان بالدموع. استعادت رباطة جأشها ووعيها مرة أخرى، وسرعان ما أخذت محرمة من جيبها وجففت دموعها.