فكَّر في أن أتابك ما زال شابًا صغيرًا هشًا، وأن الحب في فترة الشباب مثل طائر مجنح، اليوم هنا وغدًا في مكان آخر بعيد". لكن بعد أن لاحظ إصرار أتابك وشروده وشحوبة وجهه، وسلوكه الذي يسيطر عليه هوس الحب، الذي يتزايد يومًا بعد يوم، وجد نفسه مضطرًا إلى التخلي عن خطته الحالية، والبحث عن سبل أخرى لإنقاذ سيده.

وعلى الرغم من استقراره على قرار محدد، فقد تردد كثيرًا وأخذ يفكر في مئات من الخيارات الأخرى المختلفة. إلا أنه بعد اقتناعه أنه لا واحدًا منها بمقدوره التخفيف من معاناة أتابك وآلامه، وجد نفسه أمام حل واحد لا بديل عنه وقال في نفسه: دعونا نرى هل ستنجح خطتي أو لا؟

في ذلك اليوم تحديدًا، وبعد الانتهاء من العشاء، ذهب حسن علي إلى غرفته، واستبدل ملابسه، ثم دخل غرفة أتابك الذي وجده مستغرقًا في قراءة كتاب "بابرنامه">19. ومن باب التحوط، وحتى لا يكشف عن نيته الحقيقية، سأل حسن علي أتابك إذا كان في حاجة إليه: "هل ترغب في أي شيء يا سيدي؟ أرغب في الذهاب إلى الحمام".

أجاب أتابك، دون أن يرفع عينيه عن كتابه، "ليس لدي ما أقوم به اليوم. يمكنك الذهاب".

خرج حسن علي مع حلول الظلام. ومع الوقت حل ظلام دامس تدريجيًا، وغطت السماء غيوم كثيفة، في حين هبت ريح شديدة البرودة من الاتجاهات جميعها. تناثرت بقع صغيرة عشوائية من الجليد على شكل لولبيات صغيرة، مما شجع الناس على الفرار إلى دفء منازلهم.

عادة ما يصل الطين إلى مستوى الخصر خلال النهار؛ مما يهدد بامتصاص المشاة في المستنقع الدافئ، إلا أن اليوم تجمدت كتلة الطين تحت غطاء جديد من الجليد، مما يخلق مسارًا وممرًا يسيرين إذا شق المرء طريقه عبر التلال الصلبة من الأرض التي تنتشر في المنطقة. الآن أصبح السير سهلًا، وصوت تهشم الجليد الهش تحت وقع الأقدام يصدر صريرًا موسيقيًا جميلًا وكأنه لحن عذب.

وعلى الرغم من إغلاق المتاجر في هذا اليوم، فإن المقاهي كانت تعج بالبشر. أشعل الرجال ألسنة اللهب في المواقد، وأضرموا نيران المدافئ. كان هناك زوار يبحثون عن المتعة من خلال شرب الشاي الذي يقدمه الصبية في المقهى، أو ما يُقترح عليهم من مشاهدة الراقصات. ومن بين الزوار كان هناك شباب صغير، ورجال بعمائم كبيرة، وشيوخ جاوزوا السبعين من العمر. وفي ليالي الشتاء الطويلة كانت المقاهي دائمًا عامرة بالزوار؛ حيث يستمتع الحضور بشرب الشاي الذي يقدمه الصبية الصغار مستمتعين بجمالهم وهم يحمدون الله كثيرًا.

وصل حسن علي إلى منزل ضياء شاهيجي، وشق طريقه إلى الفناء المخصص لسكن الرجال، ونظر نحو نافذة مغلقة في المضيفة. يشير الضوء المنبعث من خلال نافذتها المطلة على الفناء إلى وجود شخص ما في المنزل. أصلح حسن علي ثيابه ثم دخل المنزل.

كان ضياء شاهيجي يصلي، شعر حسن علي بالراحة والسعادة أن كل شيء يسير وفق ما خطط له، وجلس ينتظر حتى ينتهي ضياء شاهيجي من الصلاة. أنهي الأخير التشهد الأخير، وألقى السلام يمنة ويسرة، ثم رفع يديه إلى السماء وهو على سجادة الصلاة داعيًا الله ومسبحًا في ختام الصلاة. ثم اقترب من الشيخ يلقي عليه التحية: "تفضل يا أبتِ، هل أنت على ما يرام؟ كيف لي أن أساعد؟ ما حاجتك؟"

"شكرًا لك، كل شيء على ما يرام."

جلسا حول المدفأة. ساد الصمت هنيهة وهما يجاهدان للعثور على الكلمات. وفي محاولة من ضياء شاهيجي لفهم سبب هذه الزيارة المفاجئة ألقى على حسن علي عدة نظرات، وكأنه يسأل، ما الغرض من زيارتك؟

"لا تنزعج، يا سيدي، فما حضرت إليك إلا مضطرًا، الظروف أجبرتني على ذلك.

"هل أتابك هو من أرسلك؟"

"لا، لقد جئت بمحض إرادتي يا سيدي."

مرة أخرى، لم يستطع ضياء شاهيجي فهم السبب من الزيارة.

والحقيقة أن زيارة الشيخ العجوز حسن علي وهو عبد أتابك، بدت غريبة وخارج إطار التقاليد؛ فمن غير المقبول ولا اللائق أن يتحاور رجل في مكانة ضياء شاهيجي مع عبد، ما بالك إذا كان الحديث عن أمر مهم.

أعاد سؤال ضيفه وهو في حيرة من أمره: ظروف؟ تحدث مباشرة؟"

ابتسم حسن علي وقال: "ستندهشون كثيرًا، وربما لن تصدقوني إذا عرفتم أن…"

"إلى هذا الحد؟"

تابع حسن علي: "كما تعلم، وصلنا إلى مرغلان منذ حوالي خمسة وعشرين يومًا؛ أي شهر تقريبًا، ومنذ مجيئنا مرض السيد أتابك مرضًا شديدًا".

تعجب ضياء شاهيجي:

"هل كان مريضًا؟ بدا أنه بصحة جيدة."

قال حسن علي: "أنت على حق". "لعدة أيام ظلت طبيعة مرضه غامضة حتى بالنسبة لي."