"تلك الثرثارة تقول الصدق، وما زالت في وعيها، نعم. ليتنا ننعم بصهر مثله".


6. سُحب دموية تخيم على طشقند


في تلك الأيام سرت شائعة في مرغلان مفادها أن "عزيز بك والي طشقند يقود تمردًا ضد قوقند. وسبق أن قتل مبعوثي الخان الذين قدموا لتحصيل الخراج والزكاة. وفي اليوم التالي أخذت الشائعات منعطفًا أكثر دراماتيكية: "أن الخان مسلمان قل قد أرسل قوات قوامها خمسة آلاف جندي تحت قيادة نور محمد قوشبكي لقمع التمرد في طشقند".

استقبل الناس هذه الأخبار والشائعات بهدوء وربما بعدم مبالاة. لم يكن الأمر مفاجئًا للكثيرين، ولم يكن ما يحدث صادمًا لأحد، لذا كان رد فعل الناس مبررًا؛ لأنهم عايشوا أنواعًا عديدة من الخصومات السياسية التي تحدث من وقت لآخر. لذا فقد كانوا يعلمون جيدًا أنه إن لم يحدث ذلك اليوم فسيكون في أي وقت آخر، وسيأتي أحد من قادة الجند، أو أحد رجال البلاط، أو أي شخص، لا يهم من يكون، من البكوات أو أبنائهم ويسعى للحصول على السلطة وإثارة الفتن والاقتتال الداخلي.

لكن لا يمكننا اعتبار أتابك من ضمن هذا الصنف من الناس؛ لأنه- وخلافًا لغيره- لم يستطع أن يتجاهل ما يدور من شائعات أو أن يظل هادئًا. فعند سماعه هذه التقارير، فقد شهيته. كان بإمكانه أن يرى بعينيه، ويتخيل بوضوح تام، العواقب الوخيمة، والأحداث الكارثية الكبرى التي ستنجم عن تلك الفوضى القادمة. لقد رأى المستقبل أمامه وكيف أن شعبه، وأمته المسلمة، تترنح وتسقط في الهاوية، حيث لا قاع، وأنها على وشك السقوط بشكل رهيب. وعندما سمع هذه الأخبار، أخذ يصلي ويتوجه إلى الله بالدعاء:" اللهم ارفع عنا واحمنا".

كانت تلك الأخبار كفيلة بأن تصيبه بالصدمة والذهول وتثير جروحه السابقة وذكرياته الأليمة تجاه الوضع في وطنه، وحال شعبه الذي بدا أمامه غير قادر على التمييز بين الحق والباطل وبين الخطأ والصواب، يتعطش لشرب دماء بعضه، وكل ذلك لصالح مجموعة من الطغاة الطموحين؛ ما يرسم لوحة قاتمة لمستقبل مخيف.

وبينما كان أتابك جالسًا، يائسًا، تائهًا غارقًا في التفكير، دخل حسن الحجرة ممسكًا برسالة في يده. وقال وهو يسلمها لأتابك: الرسالة من طشقند، ربما تكون من أبيك". فتح أتابك الرسالة، كانت مكتوبة على الورق بسن قلم رصاص سميك. وشرع أتابك يقرأ الرسالة:

"إلى الهدية التي بعثها الله الخالق العلي لنا، إلى نور أعيننا، ومصدر قوتنا، وثمرة حياتنا، ابننا الملا أتابك. نحن أباك الخانع الذليل أمام قدرة الله الخالق، وأمك الضعيفة الرقيقة وأصدقاءك المقربين، نحمد الله على ما نحن فيه من صحة ورخاء، ننعم بحفظ الرحمن ورعايته، وندعو الله ليلًا ونهارًا أن يمن على نور أعيننا ابننا العزيز بكل الخير. وليجمعنا الله في القريب العاجل في ساعة سعادة ونلتقي جميعًا مرة أخرى، آمين.

والآن نريد أن نخبرك يا بني أننا شكرنا الله كثيرًا عندما تلقينا رسالتك بخصوص وصولك بأمان إلى مرغلان. وربما تود الاطمئنان على الأوضاع في طشقند وأحوالنا هنا. وقد تكون قد علمت وأنت في مرغلان بما حدث هنا، وأن عزيز بك قد ثار وأعلن التمرد ضد حاكم قوقند بدعم من قوات مجهولة، وأنه قد قتل بكوات الديوان الذين قدموا لجمع الخراج وعلق رؤوسهم على بوابات القصر، وأن حاكم قوقند قد قرر اتخاذ إجراءات قاسية ردًا على ما حدث. لقد وصل إلى مسامعنا أن الوزير الأول نور محمد قد خرج من كيروفشتي في طريقه إلى طشقند على رأس جيش قوامه خمسة آلاف جندي. فأي مآسٍ جديدة تنتظر شعبنا يا بني؟

واليوم تعهد الشعب بالولاء لعزيز بك؛ الرجل ذاته الذي أذاق الناس الظلم، وضرب بسيفه الدامي أعناق الكثير من الأبرياء من رعيته فقتل؛ الآباء والأمهات والإخوة والأبناء، ذبحهم جميعًا وتُركت أشلاؤهم الممزقة لتتعفن في العراء. ومع ذلك وعده الشعب بالإخلاص والوفاء له، وأقسموا على الدفاع عنه حتى آخر قطرة من دمائهم.

وبأمر من عزيز بك، اجتمع أهالي طشقند جميعهم أمام القصر، وكان هناك ممثلون لأطياف المدينة كافة؛ من رجال الدين والعلماء.. إلخ. وقف عزيز بك في برج المراقبة بالقلعة فرحب بالجمع، وبلغ ذلك منهم أكبر الأثر فدمعت عيونهم. بني، بما أنك تستطيع التمييز بين الأبيض والأسود، اقرأ رسالتي هذه بعناية واهتمام.

لقد سأل عزيز بك الناس، وهو يشير إلى جثتي قتيلين معلقين على بوابة القصر: "أيها المواطنون، هل ترون هذين المجرمين؟ هل تعلمون لماذا يستحقان هذا العقاب؟"