فأجاب الناس: لا نعرف يا سيدنا.

أجاب عزيز بك عن سؤاله: "أمامكم جثتا اثنين من الأوغاد، من قادة مسلمان الأعرج، ينتميان إلى زعماء القبجاق، وهم أعداء كل فرد من قاره تشوبان، لقد أعدمتهما انتقامًا لكم يا بني أمتي، وثأرت منهما؛ كي ترتاح أرواح أبنائنا وجنودنا الذين استشهدوا على يد جنود القبجاق. أم ترون أنني كنت ظالمًا في تصرفي هذا؟"

صرخ الحضور:

"كان تصرفًا عادلًا، تصرفتم بعدالة يا مولانا؛ هكذا يجب معاقبة القبجاق."

وهنا انتقل عزيز بك إلى هدفه الحقيقي، وغايته الأساسية من هذه الخطبة: "اليوم يرغبون في الانتقام مني؛ لأني أخدمكم بإخلاص وتفانٍ، وسيسعون إلى نزع ولاية طشقند مني وربما قتلي لو استطاعوا. فما رأيكم في هذا الأمر وماذا أنتم فاعلون؟"

صاح الشعب بقوة حتى ارتعدت السماء من هول ذلك. صرخ الجميع: "أرواحنا فداؤك حتى آخر قطرة دم، فليجرب القوبجاق الاقتراب من هنا. ما دمنا أحياء لن يجرؤ أحد على مس شعرة منك."

شكر عزيز بك الرعية وصارحهم بالقول: "أشكركم أيتها الرعية، سمعت أن القوبجاق يتقدمون بقيادة الوزير الأول نور محمد باتجاه طشقند. فهل نحن مستعدون لصدهم أو لا؟"

أجاب القوم: "بالطبع، بالطبع، يجب أن نستعد يا سيدنا. إذا سمحت لنا، فسنبدأ اليوم بترميم دفاعات القلعة".

"شكرًا لكم يا رعيتي. طالما أحظى بدعمكم، فلا مدعاة للقلق".

"طالما كنت بأمان وسلام، فلن نمنح القبجاق الفرصة للوصول إلى مآربهم. بارك جهودنا يا سيدنا وسوف نشرع في ترميم القلاع وتدعيم الحصون". ومنحهم عزيز بك موافقته وبارك جهودهم وبدأ الناس في الاستعداد للمعركة.

بني، لا أعرف هل على أن أبكي أو أضحك على مصير القوم، ولكن رغم كل ما يحدث فإن غيومًا دامية عادت من جديد لتحوم فوق سماء مدينتنا طشقند، والله وحده يعلم كيف سينتهي الأمر. والأهم من ذلك، هناك شيء واحد أريد أن أذكرك به: أرجوك أن تتوخي الحذر عند الحديث في السياسة. كن حذرًا وفكر جيدًا قبل قول أي شيء.

تذكر دومًا الضحايا السابقين الأبرياء الذين راحوا ضحية تلك الأسباب البائسة نفسها. الله وحده يعلم ما نفكر فيه أنا وأنت في أعماقنا، غير أنه من المحتمل جدًا أن هناك في فيرجان من يُعدني مشاركًا ومناصرًا لعزيز بك، والأمر نفسه معك كونك ابن المتمرد؛ لذا اجعل خطاك دومًا وتصرفاتك تنطلق من هذه الفرضية. لا تنسَ أو تتجاهل الخطر المحدق بك في هذه الأيام العصيبة، واستمع جيدًا إلى نصيحتي لك، لا تأتِ إلى طشقند حتى تنتهي الأمور، وتهدأ هذه الفتنة تمامًا. وبعد أن يعم الاستقرار طشقند، وفي حال كنتُ على قيد الحياة سأكتب إليك وأخبرك.

أصدقاؤنا وأقرباؤنا جميعًا بخير وصحة جيدة. أبلغ حسن علي تحياتي وسلامي.

أبوك يوسف بك حاجي.

طشقند يوم 27 شهر الدلو 1264 هجرية."

أنهى أتابك قراءة الخطاب، ثم قرأه مرة أخرى؛ ليستوضح بعض النقاط التي لم يفهمها تمامًا. وعندما وصل إلى حديث أبيه عن عزيز بك انفجر غاضبًا "يا له من ثعلب خبيث!"

وعندما قرأ جملة "لا تحضر إلى طشقند حتى تهدأ الأمور"، ابتسم وقال في نفسه بعد معرفته باحتمال تأخير عودته إلى الوطن، "إذا كان الأمر كذلك، فليتها لا تهدأ أبدًا، وليت السلام لا يعم أبدًا."


7. الواجب


كانت الأخبار ترد إلى قوقند يوميًا، وقد مر خمسة عشر يومًا منذ أن شرع جنود قوقند يحاصرون مدينة طشقند، ومع ذلك لم يُتوصل إلى أي معلومات حول استعادة طشقند.

ومنذ أمس ترددت على شفاه الناس أخبار عن إصابة قائد الجند "نور محمد"، ومقتل 1500 من جنود قوقند". وبدا أن عزيز بك رجل صعب المراس يصعب إخضاعه.

اشتدت آلام أتابك بعد أن امتزجت أشواقه ومعاناته بسبب وقوعه في الحب، مع أخبار المأساة التي وقعت في بلده الأم. أصبح طوال الوقت يفكر في وطنه، وصار أكثر شرودًا وتفكيرًا، وأكثر حزنًا. ابتعد عن الناس وعزل نفسه في غرفته، ولم يتحدث بكلمة إلى أحد. يومًا بعد يوم، أصبحت غرفته هي عالمه الوحيد.

وفي أحد الأيام وبعد الانتهاء من شاي الصباح، قرر حسن علي تنفيذ ما عزم عليه في الليلة السابقة، عندما رأى ولاحظ أن سيده صار أكثر شحوبًا وحزنًا، وأنه بالكاد يغادر غرفته. وما أزعج حسن علي أنه صار عاجزًا عن مساعدة سيده، واكتفى بدور المراقب والملاحظ لحالته لا أكثر.

على أية حال، منذ اللحظة التي اكتشف فيها أن سبب تدهور حالة سيده وشروده هو ذاك الحب الخفي، لم يتركه بعيدًا عن نظره، وبدأ يبحث ويستقصي الأخبار عن هوية الفتاة التي وقع أتابك في حبها، ومن أي عائلة هي، وهل بمقدوره فعل أي شيء حيال ذلك؟ لكن حتى بعد أن عثر على إجابات لهذه الأسئلة لم يكن بمقدوره فعل شيء، وأخذ يترقب وينتظر ويقلب الأمور ويوازن بين خياراته.