"لكن لسانك يقول شيئًا وقلبك يكشف أشياء مغايرة تمامًا يا بني"
قال أتابك، وقد بدأ صبره ينفد من استمرار هذا العتاب المتبادل: "أنت مخطئ يا أبي".
– أنا لست مخطئًا، بل على العكس من ذلك، أنا واثق من أنني على حق.
– إذًا ما دليلك على أن كلماتي تتناقض مع أفكاري وما في قلبي؟
قطب حسن علي حاجبيه بحزن ونظرات ملؤها الشعور بالإهانة: "أنت تحتفظ بسر، تخفيه عني".
– "تقصد أنني أخفي سرًا عنك؟"
رد حسن علي: "نعم، وإذا كان ما تقوله حقًا وصادقًا، وإذا كنتَ تعتقد أنني جدير بثقتك، اكشف لي عن سرك هذا".
تغير وجه أتابك واختفت علامات الغضب وتمالك نفسه وابتسم قائلًا:
– إذًا، أنت تعتقد أن لدي ما أخفيه عنك."
– نعم، لديك سر تخفيه.
– في هذه الحالة، أرجو أن تشاركني اكتشافك هذا وتخبرني بما تعرف.
رفع حسن علي فنجانه وارتشف بعض الشاي ثم بدأ يحكي؛ قال: "منذ وصولنا إلى مرغلان، أصبحت يا سيدي في حالة مزاجية غريبة ومتقلبة. وعلى الرغم من أنك تعلل ذلك بأنه بسبب طقس مرغلان السيئ، فقد عرفت أن الأمر على غير ذلك".
كان أتابك مضطرًا لإبعاد وجهه عن حسن علي، الذي كان يرمقه بنظرة ثاقبة. بدا الأمر كما لو أن هذا الرجل العجوز مكشوف عنه الحجاب؛ يرى كل شيء ويمكنه من خلال النظر إلى تعبيرات وجهه أن يرصد كل ما يخفيه من أفكار ومشاعر مكنونة ويفهمه. ولما شعر السيد بوقع نظرات خادمه، قال وهو يتحسس جبينه: "حسنًا، أكمل."
قال حسن علي بنبرة الواثق في صحة كلامه: "أنت تحاول إخفاء سرك عني، حسنًا، ربما لديك الحق في إخفائه، لكن هل من الممكن الوصول إلى الهدف بهذه الطريقة؟"
احمر وجه أتابك خجلًا، ونظر إلى الأرض، وبدا كما لو كان قد افتضح أمر ارتكابه خطأ فظيع. فيما لمع وجه حسن علي وارتسمت عليه ملامح الاهتمام الأبوي، وقال بصوت عطوف حنون كعادة الشيوخ الكبار في السن، وكأنه يحاول التخفيف عن سيده ومساعدته في التخلص من العبء الذي على كاهله: "لا شيء يدعو إلى الخجل يا بني؛ فالحب هو السعادة الكبرى، وجوهرة القلب التي يحظى بها عدد قليل جدًا من الرجال في حياتهم؛ وفي الوقت نفسه، فهو كثيرًا ما يكون سببًا في الكثير من الشقاء والشرور؛ ولهذا السبب يجب أن تسيطر على روحك، وتظهر قدرًا من الإرادة القوية وتحاول ألا تفكر فيه، وأن تنساه".
بعد سماعه هذه الكلمات رفع أتابك رأسه، ونظر في عيني حسن علي، وتنهد بقوة وأطرق رأسه مرة أخرى وكأنه يريد أن يعترض بشدة على نصيحة حسن علي: "من المستحيل أن أنسى".
ساد صمت طويل؛ فقد غرق كل منهما في أفكاره. اعتاد حسن علي وضع طرف لحيته في فمه عندما يمعن في التفكير. وها هو يفعل ذلك الآن أيضًا ويداعب بفمه أطراف لحيته.
وبعد تفكير طويل قرر تأجيل البحث عن حل لهذه المشكلة؛ حيث كان سيده يجلس مرتبكًا من فرط الخجل الشديد.
5. ليت لنا صهرًا مثله
ها هو ذا سوق الأحذية، والمنزل الواقع عند الزاوية. أصبح القارئ على دراية كاملة بشخص صاحبه. تبدو البوابة الرئيسة متهالكة بعد سنوات طويلة من العمل؛ بها شروخ في بعض المواضع، ملطخة ببصمات الأيدي، تصدر صريرًا عاليًا وتتأوه عند كل مرة تفتح فيها أو تغلق. باختصار، إذا حاولنا تصنيف هذه البوابة المعمرة، فقد نضعها في فئة "قديم قدم التاريخ".
وبمجرد أن تخطو ثلاث أو أربع خطوات عبر البوابة، ستشعر على الفور بمهابة سجون مدينة بخارى الحصينة، وستجد نفسك تهرول مسرعًا حتى تصل إلى الضوء المتسرب في نهاية الممر المظلم، وعندما تتعثر وتسقط من أعلى، ستشعر وكأنك تتحرر وتنجو من ممر السجن المظلم هذا؛ فتجد نفسك أمام مجرى مائي كبير يتدفق عبر فناء حجري ضخم، وتتنهد بارتياح، وبعد أن أصبحت حرًا، أول شيء يسترعي اهتمامك حينها ذاك المنزل الجميل ذو الشرفة الأرضية المبنية على الجانب الشرقي من السياج، بواجهة مواجهة للغرب. وعلى الرغم من أنه لا يستحق أن تتباهى به اليوم، فإن المبنى كان بلا شك يعد في أوج ازدهاره مثالًا على الرقي والذوق المعماري البديع.
لا أثر لأي شخص في الفناء أو المباني المحيطة، وهو دليل على أن مساحات المعيشة الأولية هذه منفصلة عن المسكن الرئيس، وتستخدم غرفًا للضيوف. ترتص الغرف الصغيرة ذات الأقفال على أبوابها على طول الجدارين الغربي والشرقي. من السهل أن نستنتج أن الغرض منها هو تخزين البضائع، وهي دليل دامغ على أن المالك مكتفٍ وقادر ماديًا. أما الجزء الجنوبي من الفناء، فهو عبارة عن جدار خلفي للمحال التي تحجبها تمامًا أشجار الكرز الكثيفة.