– ماذا عساي أن أطلب منك الآن؟ يمكنك الذهاب، وخذ معك الشمعة أيضًا.

أخذ حسن علي الشمعة وذهب إلى حجرته، التي كانت مجاورة لحجرة سيده، وكانت مكدسة بالأقمشة والأحذية والبضائع الأخرى. كان هذا بالضبط هو سبب وجود حسن علي هنا في هذه الحجرة من أجل حماية بضاعتهم. أخذ حسن علي يرتب فراشه وهو يقول في نفسه: "توبة."

كما قلنا من قبل فقد لاحظ حسن علي التغيرات التي طرأت على أتابك منذ حوالي أسبوع أو عشرة أيام، لكن قلقه عليه الآن تخطى كل حد. دفعته حالة سيده تلك إلى التفكير في أشياء مختلفة لعله يهتدي إلى سبب يفسرها. جلس الرجل العجوز على سريره وأخذ يداعب لحيته الرمادية وقد استغرق في أفكاره: أتراه قد وقع في مشكلة متعلقة بتجارته، أم أنه يعاني مشكلة صحية، لقد كان يأكل على مضض وبلا شهية في منزل ضياء شاهيجي، هذا هو السبب، ربما أصيب بمرض في هذه الأرض الغريبة.

إلا أن الشيخ العجوز لم يقتنع بأي من هذه التخمينات، لأنه كان على علم بحالة التجارة، وإذا كان سيده مريضًا فإنه كان سيشتكي بالتأكيد. وظل هكذا غارقًا في أفكاره وتخميناته وافتراضاته لفترة طويلة، لم يهده تفكيره إلى شيء، فقام وأطفأ الشمعة، فغرقت الحجرة في ظلام دامس. تلمس الرجل العجوز طريقه نحو الباب، ثم، محاولًا ألا يصدر صوتًا، فتحه وتسلل إلى الخارج بحذر، وأخذ يتلفت حوله. عندما اطمأن أنه لا يوجد أحد في المكان سار بخطوات هادئة، واقترب من حجرة أتابك، ثم توقف ونظر حوله في الفناء مرة أخرى. كان الظلام يسود المكان، وقد غط الجميع في نوم هادئ، كان يتخلله مع ذلك أصوات الخيول التي تجتر التبن في إسطبلاتها، وصياح الديكة في الجوار تتقاطع مع بعضها بعضًا. مال حسن علي بهدوء على باب حجرة أتابك لعله يسمع شيئًا. كان الصمت يسود الغرفة، ولا شيء فيها يدعو للقلق. بعد أن انتظر هنيهة، قرر حسن علي النهوض من مكانه، عندما سمع تنهيدة ثقيلة من الداخل. انتفض من مكانه، وقد لمع في عينيه وميض قلق لا ينطفئ.

قال في قلق: إن سيدي ليس على ما يرام، وحزم أمره وأمسك بمقبض الباب وهم أن يدخل على أتابك، لكنه سحب يده من على المقبض وهو يفكر: ربما لا يكون مريضًا. وقف مرة أخرى في حيرة من أمره، تنازعه نفسه إلى الدخول كي يطمئن، لكنه حاول كبح جماحها، فعاد إلى حجرته. لكن قلقه على أتابك بحلول هذا الوقت كان قد تضاعف عشرة أضعاف. فعلى الرغم من أنه بدل ملابسه وآوى إلى فراشه، لاحت أمام عينيه صورة سيده، ولم تسمح له بإغلاق جفنيه. بدأت تراوده الأفكار والهواجس، ويتردد في رأسه ما أمره به يوسف بك حاجي: "إن ابني لا يزال فتى صغيرًا، أما أنت فقد عشت حياة طويلة ورأيت الكثير وتعرف الكثير. وأنت مخلص لي أيما إخلاص. لذا فمهمتك الأساسية هي رعاية ولدي". وتتردد في أذنيه مرارًا وتكرارًا وصية والدة أتابك "أوزبك آيم" الممزوجة بالدموع: "لقد عهدت بك إلى المولى تعالى، وبابني إليك". وهكذا تلاشى النوم من عينيه تمامًا. نهض حسن علي من فراشه وارتدى الشابان>(>16>) فوق ثياب النوم، وغادر غرفته، وجلس مرة أخرى بجانب حجرة أتابك.

كان الليل شديد البرودة، وكانت الريح الباردة تهب من الجهات جميعها وتتسلل إلى عظامه. جلس حسن علي شبه عارٍ، يرتعد من البرد. جلس غير مبالٍ ببرودة الجو وارتجاف جسده، مركزًا كل أفكاره إلى حجرة أتابك. أخذ يسترق السمع لبعض الوقت للأصوات الآتية من الداخل، ثم أخذ نفسًا عميقًا وابتعد عن الباب، وبعد أن سمع صوت أنفاس أتابك تخرج هادئة، تنهد بارتياح. على الرغم من أن هواجسه القلقة بدأت تتلاشى تدريجيًا، فإنه ولسبب ما لم يتحرك من مكانه، بل ظل جالسًا منكفئًا على نفسه من البرد. مر بعض الوقت وهدأ أخيرًا وكان على وشك المغادرة، عندما سمع من داخل الحجرة ما يشبه تمتمة نائم: "عيون سوداء، حاجبان كالهلال".

قال حسن علي: "آه"، ثم ألصق أذنه مرة أخرى بالباب. أصبح كله الآن آذانًا مصغية، وأصبح تركيزه كله موجهًا إلى الحجرة وإلى من بداخلها. لم يمضِ وقت طويل حتى استُؤنِفت التمتمة مرة أخرى: "وجه كوجه القمر، ونظرة مبتسمة، تهرب في خجل.. أواه".

تبددت مخاوف حسن علي الأولى جمعها حينما سمع تلك العبارة الأخيرة. وهنا أدرك أنه لا داعي لبقائه في البرد أكثر من ذلك، فقام من مكانه، ودخل حجرته وهو يهز رأسه ويقول في نفسه: – إن سيدي قد وقع في الحب.