فأردف أكرم حاجي: بارك الله في عمره، إنه الأكثر ذكاءً ورجاحة عقل بين شبابنا. لو كان الأمر بيدي لجعلته خانًا. هل تلقى تعليمًا؟
فأجاب حسن علي الذي كان قلبه يفيض بالفرح من مدح سيده المحبب: لقد كان واحدًا من أفضل الطلاب في مدرسة "بيكلار بيغي">(>15>)، لكن والده أخرجه منها منذ ثلاث سنوات ليشتغل بالتجارة.
وقال قوتيدار: نعم، لقد مَنّ الله على هذا الفتى بنعم كثيرة.
أشاد الحاضرون جميعهم بأتابك، إلا حامد الذي ظل صامتًا ولم يشاركهم في ذلك، وبدا منزعجًا إلى حد ما، بل تغيرت تعابير وجهه تمامًا عندما سأل قوتيدار حسن علي إذا كان البك متزوجًا أم لا. فأخبره حسن علي أنه حتى الآن لم يجد الفتاة التي تناسبه، الشيء الذي رد عليه حامد بسرعة بقوله: يبدو أن سيدك لا ترضيه إلا ابنة خان– ثم بسخرية تخللت كلماته– فهذا النوع من الرجال بعد الزواج يظل طوال حياته يعذب زوجته.
لم يترك حسن علي هذه السخرية الغامضة دون رد، وأجاب مبتسمًا: لا أعرف إذا كان يريد الزواج بابنة الخان أم لا، لكنه ليس أقل من ذلك، وأعتقد أنه إذا كان لا يقبل أن يوجه لي، وأنا عبد مملوك اشتراه مقابل نقود، كلمة مهينة، فلا أظنه، طبعًا، يسيء إلى فتاة حرة، لا سيما وإن كانت زوجته. أعتقد أنه بعيد كل البعد عن ذلك النوع من الرجال الذين يتصرفون كالبهائم فيضربون زوجاتهم، ويتزوجون أكثر من واحدة، ويحولون حياتهن إلى جحيم، أخي الملا حامد.
كان تلميح حسن علي واضحًا للغاية، حيث إنه كان قد سمع من فم حامد نفسه أنه يضرب زوجاته أحيانًا بسوط من الجلد. ولهذا فإن العبارة الأخيرة لحسن علي جعلت حامد يشعر بالخزي أمام الجميع ولم يتفوه بكلمة واحدة. ألقى ضياء شاهيجي إلى صهره نظرة كلها عتاب واضح، وكأنه يقول له: "ألا يكفي؟"، ثم التفت إلى حسن علي وقال:
– نعتذر منك أيها الشيخ الكبير، إن ابننا حامد إنما جاء إلى هذه الدنيا فقط لكي يقول مثل هذه الأشياء المسيئة.
أما قوتيدار فقد بادر أيضًا إلى تأييد حسن علي: أنت على حق، أيها الأب. إن أتابك جدير حقًا بابنة خان.
لم يكن بوسع حامد إلا أن يظل صامتًا، لكنه ابتسم ابتسامة خبيثة ونظر إلى حسن علي.
بعد تناول الأرز البخاري كان حامد أول من غادر ثم بدأ الآخرون في المغادرة إلى منازلهم. كان طريق أتابك وقوتيدار واحدًا، ولهذا غادرا معًا. عندما اقترب قوتيدار من منزله أخذ يودع أتابك قائلًا: ننتظر تشريفك منزلنا غدًا بكل تأكيد. اتفقنا؟
– بكل تأكيد يا عمي.
– ها هي بوابة الخان هناك. ربما يجدر بك أن تبيت عندنا الليلة؟ ما رأيك؟
– شكرًا جزيلا لك، أتركك في صحة وعافية.
عندما ودعوا بعضهما وهموا بمغادرة المكان، خرج من زقاق مظلم قريب منهم شخص مدثر في ردائه وانطلق في الاتجاه الذي أتى منه أتابك وحسن علي.
3. البِك العاشق
كان خان المسافرين يغط في نوم عميق مع حلول منتصف الليل. قام حسن علي بفتح القفل اللولبي الطويل الموضوع على باب الحجرة، ودخل ثم أشعل شمعة، وبعد أن رتب السرير للبك وقف ينتظره. إلا أن أتابك لم يدخل. فقد كان في ذلك الوقت يقف بالخارج كما لو كان متجمدًا في مكانه. وقف متكئًا على العمود، وكأنه لا يعرف أن باب الحجرة قد فتح وأن الشمعة قد أضيئت، وأن الفراش جاهز.
– لقد أعددت لك الفراش، يا سيدي.
بعد هذه الكلمات دخل أتابك الحجرة وجلس بجانب السرير. كان حسن علي ينتظر أن يبدل البك ملابسه ويستلقي، لأنه أراد أن يأخذ الشمعة إلى الحجرة المجاورة. لكن أتابك ظل جالسًا على حافة السرير، وعقله غارق في الأفكار. كان حسن علي قد لاحظ أن سلوك أتابك قد طرأ عليه تغير خلال الأيام القليلة الماضية. وقد أثار سلوكه الغريب هذا على مدار الأيام الخمسة أو الستة الماضية الدهشة والحيرة لدى حسن علي. في الواقع، لم يكن أتابك الآن هو نفسه الذي يعرفه، فقد أصبح شارد الذهن، غير مكترث بالعمل.
تفحص حسن علي البك لبعض الوقت، إلا أنه كلما طالت مدة بقاء أتابك في أسر الفكر، كان صبر حسن علي يوشك على النفاد.
– "هل هناك ما يكلفني به سيدي؟"
بدا أن أتابك كان يصغي، ولكنه لم يستوعب السؤال، لأنه حينما رفع عينيه نظر إلى حسن علي وثبت ناظريه على نقطة واحدة، مما زاد من قلق حسن علي عليه. ولم يكن يعرف كيف يفسر شرود ذهن سيده. أخيرًا، انتفض أتابك كمن أفاق من النوم، ونظر إلى خادمه وقال:
– لماذا لا تذهب للنوم؟
– هل هناك ما يكلفني به سيدي؟